Image Not Found

زينب بنت علي من المحراب إلى النضال (1-5)

صادق بن حسن اللواتي

(1)

المرأة عبر التاريخ البشري كانت لها مواهب عدة ولم يكن هناك قانون يحكم هذه المواهب لصالحها ونحن عندما نقف أمام هذه المواهب ينتابنا شعورغريب ونحن نرى المرأة تزاحم الرجال جنبا إلى جنب ولا نستطيع أن نقف إزاءها لخدمة هذه المواهب ، لأن النظرة العامة هي أن الرجل هو قوام على المرأة وهذه القيمومة شكلت منظومة خاصة في إدارة شؤون الأسرة ، يكون فيها الرجل ممسكًا بزمام هذه الإدارة وتعتبرالمرأة جزءً من كيانه ، بالنتيجة هي أسيرة هذا النظام الذكوري.واقعاً هذه القيمومة طُرحت كمشكلة إنسانية أي المشكلة بين المولودين وهي بين مد وجزر ولعل هذه المشكلة ولدت مع ولادة فكرٍة أن المرأة خلقت من الضلع الأعوج للذكر (آدم) حين خلقه الله فخلق له أنيسا يأنس إليه ، وعليه قامت الأنظمة الاجتماعية والفتاوي والتي حددت دور المرأة في المجتمع والأسرة وليس لها أن تخالف الرجل في رأيه ، وعليها أن تخضع لإرادته ومشيئته كيفما شاء ، هكذا وجدت المرأة نفسها على هذا الحال

التاريخ الذي تحدث عن المرأة باعتبارها النصف المتمم للرجل في حياته كلها ، لاحظنا أن الرجل البدائي بما يملك من قوة جسمانية هو يحكم على النصف الآخر له بكل ما يلازم هذا النصف من مشاكل وصعاب لأنه الطرف الأضعف ويكون الرجل هو من يحتل مكانة كبيرة في الأسرة ويحمي هذه المرأة ويدافع عنها ، فأصبحت المرأة تابعة للرجل في كل شؤون الحياة ، وتعيش تحت سيطرته ، وتلبي له كل احتياجاته ، بهذا المعنى أصبح الرجل هو صاحب الرأي والمسؤول عن حياتها ورزقها ، وهو النافذة والمظهر البارز في حياتها ، فلا رأي لها إذا ابتز الرجل أموالها وأكل حقوقها وحرمها من الميراث ، ولا حق لها أن تعترض على أي قرار يتخذه الرجل سواء في تربية الأبناء أوالخدمة في البيت ، بل عليها أن تكون الآلة التي تتحرك بضغطة واحدة على الزر، متى ما ضُغط على هذا الزر تعمل هذه الآلة

هذه الثقافة التي غمرت وجود الإنسان وتأثيراتها ظاهرة في جميع مناحي الحياة وهذا يشكل نسيجا لمعتقدات الرجل وتقاليده وفكره ولغته وبهذه الصفة يكون هو المكون الأساسي لهوية المجتمع ، وهذا الموقع التاريخي للمرأة يطرح نفسه كمشكلة إنسانية في المجتمع. مشكلة بين شريكين متساويين ومتفاوتين في آن واحد فبقدر ما للمرأة من سبب في وجود الرجل كذلك هو شريك معها في كل ما يلتصق بها عبر التاريخ وهذا الوضع اتسم بصفة انتقالية بين الرجل والمرأة برغم ما يجمعهما من عناصر مشتركة الذي أنتج التوافق بينهما على مرالأيام ولكن الصراع الاجتماعي العميق الذي يجري بين الأفراد والأجناس تدخل المرأة فيه كصفة ايدلوجية وكاتجاه اجتماعي أو اتجاه ديني فتختلط المفاهيم في مناقشة المسألة الإنسانية فيتم قهر أحد الأطراف وبمأن المرأة وهي الطرف الأضعف تكون عرضة للقهر أكثر من الرجل فلماذا يقهرها الرجل ؟ ولماذا لا تكون هناك معايير أخلاقية تحكم هذه العلاقات بينهما ؟

علما أن لكليهما تاريخًا لا ينفصل عن الآخر حتى في العلاقات القهرية مع بعضهما البعض لأنهما مكملان للكيان الأسري ، والتاريخ المشترك بين الشريكين يضع المرأة في مشكلة اجتماعية أنثوية والتي تلعب دوراً مؤثراً في ايجاد التنسيق بين الطرفين اجتماعيا وثقافيا وفكريا قابل للتطور، وكذلك إبقاء المرأة في حالة إقصاء عن التطور من خلال وضع عقبات أمامها ، وعدم السماح لها بالارتقاء مع شريك حياتها ، هذا هوأساس توليد المشكلة النسائية ، وهذا التوليد كان ضمن نموذج تراث توارثته الأجيال عبر عصور مختلفة. والحمدالله رب العالمين.

(2)

التراث الذي تعامل مع المرأة كان ضمن قالب بيولوجي وليس ثقافي أو فكري ، وأصبح هذا التراث فيما بعد حقيقة تاريخية لا تدع المجال للإنفصال عنها لأن أسبابه مشتغلة فينا على الدوام آخذة بأفكارنا موجهة لأعمالنا التي تجعل المرأة في حالة تبعية دائمة للرجل ، فلم تحررالمرأة اجتماعيا لأن العلاقة القائمة بينهما هي علاقة العبد مع سيده الذي يمسك بزمام الاقتصاد ، من أجل تأسيس لبنة جديدة لسلطة الرجل على المرأة. علما أن السيد لا يتوسط بين العبد وحاجته إلى المال ومهما تكن الحاجة فإن السلطة هي بين القاهروالمقهور، تماما مثل ما كانت عرب البادية التي اتخذت من الإبل مصدر معيشتها ، فهم يتغذون على ألبانها ، ويكتسون بأوبارها ، ويقتاتون على لحومها ، ويتخذون بقعة من الأرض ذات عشب وفير ، وكان غالبا ما يحتبس المطر عنهم فيموتون ومواشيهم جوعا أو يقومون بالإغارة على من جاورهم ، فإذا أصاب أحدهم فتاة أو زوجة فإنه كان يعتبرها غنيمة كسبها برمحه ويحتسبها له دون ورع أو حرج وإذا سبيت فإنها تتعرض للإهانة في شرفها من شيخ وأفراد القبيلة وتعمل لديهم ، فإذا سنحت لها الفرصة للرجوع إلى أهلها تكون قد أخذت معها العار الذي لحقها منهم ، ويبقى هذا العار يلاحقها وأهلها أبد الدهر.

هذه المهانة للمرأة قبل الإسلام سلبت حريتها وأضعفت طاقتها ، علما أن المرأة المجاورة في تخوم الأرض كانت تملك حريتها ، ولم تكن تموت بموت زوجها ، بل كانت تمارس تجارتها وتستثمر أموالها بنفسها دون تدخل الذكر الذي كانت له الأفضلية عليها بسبب خروجه إلى ميدان القتال ، لهذا كان الرجل يأد الأنثى كي لا يلحقه العارمنها ، ليس فقط بسبب الفقر بل أيضا كي تبقى للقبيلة هيبتها فكانت المرأة أشبه بقربان يقدم للألهة كي لا تغضب عليهم . إذن المرأة أصبحت مشكلة ولكن مشكلة لمن ؟ هذا السؤال الذي يحرج الجميع فليس مسلما به أن المرأة مشكلة بذاتها خارج إطارالإنسان (الذكر والأنثى) ، إذن فالمرأة بصفة عامة أمام رهان كبير على مجابهة المشكلة النسائية ، والتي بدأت عناصرها تتشابك وتجتمع في سياق من الخصوصيات التاريخية للثقافات المختلفة والمجتمعات المتعددة ، فهل المرأة عندما تنظر إلى هذه المشكلة هل تنظر إليها بمنظار التغيير أم بمنظار السكوت ، فإذا كان بمنظار التغيير فالمرأة المعنية بهذه المشكلة عليها مواجهة هذه الأساطير التاريخية وما قيل فيها وما أعطي لها من دور في المجتمع ، أما إذا كان العكس فستبقى أبد الدهر تقدم كقربان للآلهة. ومما لا شك فيه أن المجتمعات العربية قبل الإسلام كانت لها خصوصيات ثقافية وأخلاقية وحضارية وحربية ، وكل هذه الخصوصيات كانت تسقطها على المرأة والأوضاع التي تعيشها جنب إلى جنب مع الرجل وتشاركه حياته ، وهذا يجعلنا النظر إلى المرأة ضمن هذه المراجع التي وصفت حالتها إزاء هذه الخصوصيات وما رافقتها من قساوة الصحراء وشراسة الطبيعة وقهر العيش ومقاومة الإستيطان..

وهذا القهر وفر للمرأة أن تكون أحد المراجع التي يرجع إليها إذا وقع نزاع بين الجماعة عندهم ، فإذا نشب أي خلاف بين القبائل المختلفة أتيح للنساء العربيات فرصة لتتبوأ المكانة السياسية لتمثل قومها ، وهذا جعلها مستقلة اقتصاديا واجتماعيا ، مما وفر لها أكبر قدر ممكن من الحرية ، ومن النساء اللائي برزن أنذاك السيدة خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبدالعزى ، كانت السيدة خديجة ذات شرف ومال ، تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم منه نصيبا، كما يذكر المؤرخ ابن اسحق كانت لخديجة أخت تعمل في تجارة الأدم. وجاء في روايات عديدة أنه كان للنساء مشاركة فاعلة في أسواق مكة من قبل الإسلام مثل سوق عكاظ ، وتذكر هذه الروايات أن إمرأة من بني تيم بن ثعلبة تدعى ذات النحيين كانت من تجار السمن والمأكولات الأخرى.

كما تأتي الروايات على ذكر عبلة بنت عبيد بن خالد وسلمى بنت حريملة ، والدة عمرو بن العاص، إنهن كن يبعن العباء، وكثرت المصاهرات في المجتمع التجاري وكان زواج النبي الخاتم (ص) من خديجة بنت خويلد يعتبر من أشهرالزيجات قبل الإسلام ، وزواج أبو سفيان من هند بنت عتبة التي كانت أشهر تاجرة في عصرها ، وقد شملت مظاهر الترف والثراء النساء التاجرات ، وهذا يعني أن المرأة العربية كانت محل استقطاب اجتماعي فالحرة تتزوج حرا والعبدة تتزوج عبدا ، هذه المظاهر دليل أن لكل أمة في كل مدة من الزمن عوائد وتقاليد وعادات خاصة بها. وهذه العوائد حتما تتغير بتغير الأنظمة ، وهذا التغيير غير محسوس به تحت إقليم الوراثة والعقائد الدينية والعادات وهو نمط سلوك إنساني متمدن لا يمكن أن يكون متشابها مع بيئة متوحشة ، لأن سلوك الفرد يتحدد بما يناسب بيئته ومداركه العقلية ، وهذا سلوك الفرد الذي يعكس ارتباطه مع الأمة فرقيها مرهون بقدرات أفرادها ذكرا كان أم أنثى ، وفي هذا السباق تشكل الشرائع جانبا مهما في إصلاح الأمة وبالتالي نشهد اختبارا تاريخيا لمنزلة المرأة ومكانتها كفرد مهم في صياغة التاريخ البشري.

هذه الصياغة الفردانية سنجدها في الحديث عن السيدة زينب ، فالحديث عنها لا ينفك عن المرأة التي عاصرت عصرالتنزيل وما بعده حتى الربع الأخير من القرن الأول الهجري والتحديات التي واجهتها ، واسم السيدة زينب كلما ذكر لا يمكن لأحد أن يمر عليه مرور الكرام ، لما له من أثر في الواقع الحالي وكأن السيدة زينب تعيش معنا اليوم ، فهي استطاعت أن تعيش كل هذه القرون مع الشعوب وتشاركهم آلامهم ، فلو قلنا للمرأة أن تكون معلمة لأبنائها سنجد السيدة زينب منار هذا التعليم ، وإذا قلنا للمرأة أن تنهض للدفاع عن الحق سنجد السيدة زينب أول من ينهض وبنهضتها ينهض الرجال.. والحمد لله رب العالمين.

(3)

سنبدأ بالحديث الآن في ترجمة هذه السيدة الفاضلة ، ضمن التاريخ والرواية والسرديات التاريخية وعلاقة الروايات مع هذه السرديات لنتعرف على هويتها ، فمما لا شك فيه أن الحضور الجامع بين التاريخ والرواية ممكن وإن كانت هناك فروقات وخصوصيات تمتاز بها الروايات والخطاب الروائي ، فبين التاريخ والرواية سجال طويل يحقق التعلق بينهما ولا يزري احدهما الآخر . والتاريخ الذي نقصده هي تلك المنجزات التي مر عليها الزمن ضمن حدود تأملية بيننا وبين المادة المعنية في البحث، والرواية هي تلك المادة التي لا تلغي الواقع ولا تصادره وإذا كان التاريخ والرواية صنفان لا يفترقان، غير أن التاريخ لا يقحم أحدا في سردياته الذاتية كذاتية المؤرخ لأنه المؤرخ مطالب أن ينقل الأحداث كما هي ويوصلها إلى المتلقي بعكس الرواية التي تنطق عن ذوق القارئ وأحاسيسه ، هنا يدخل ناقل أو سارد للرواية ويجمع بين التاريخ والرواية ويوظفهما ضمن العلاقات الثنائية بينهما لتنشئ علاقة خارجة عنهما تعطي امتداد كبيراً للزمن والمكان وهو ما نسميه “المتخيل السردي”.

جاء في سورة مريم آية 30 (وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا) وجاء في سورة يوسف آية 26 (وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد قُد من قُبل فصدقت وهو من الكاذبين).الباري عزوجل ينقل في سورة مريم كلام عيسى النبي مع علماء بني إسرائيل والشهادة التي شهد بها وهو في المهد عن براءة أمه من التهمة التي وجهت لها ، وفي سورة يوسف ينقل الباري عزوجل كلام شهادة صبي عن واقعة وقعت في قصرعزيزمصربين زوجته ونبي الله يوسف. نبي الله عيسى والصبي حين أدليا بشهادتيهما هل كانا في سن الرشد حينذاك ؟ ، لأن ما نطقا به لا ينطقه إلا صاحب عقل راجح وصل إلى كمال الرأي ، الجواب كلا ، إذن على أي معياروأساس ومبدأ أدليا بشهادتيهما ؟ ركزا معي على الجواب

لا يختلف إثنان أن للنص مفهوم خاص ودلالة خاصة في الأديان السماوية وكذا الحال في باقي الأديان الغير سماوية ، فالنصوص التي نطق بها عيسى روح الله والصبي لها إرتباط وثيق مع الجهة التي صَدرمنها النص ، وهذه الجهة هي من تملك سلطة النص ، قد يقول قائل من أين عرفنا جهة النص ؟ الجواب من القرآن الكريم ، قد لا يطمئن السائل للجواب معللا أن القرآن لم يُجمع في عهد النبي الخاتم (ص) فكيف عرفتم أن هذا الكلام هو كلام الله. الجواب :-

أولا : أن لهذا الكتاب تاريخ وتاريخه يعود إلى عصرالتنزيل، العصرالذي صدرت فيه هذه النصوص. ثانيا : البنية المرجعية لهذه النصوص عكست رؤية معينة في قالب تنظيمي لغوي له دلالة معينة وهذا كاف لمعرفة مؤلف النص. ثالثا : إرتباط النص بالبنية اللغوية لمقصد معين تفاعلت مع الفضاء الخارجي المتلقي للنص.وهذه هي أركان النص الثلاث (أصل النص ، مؤلف النص ، متلقي للنص)، مثلا إذا جاء عيسى وقال أنا نبي مرسل من قبل الله وهذا كتابه فهل تصدقه ؟ مؤكد لا ، لأن الذي قال لك أنه نبي مرسل من عند الله وهذا كتابه هو إنسان مثلك ، فهل يملك هذا النبي أو الرسول السلطة على نصوص كتاب الله الذي جاء به من عنده أم لا ؟ فإذا كان عيسى النبي لا يملك السلطة على نصوص كتاب الله ، فالكتاب بالنسبة لك كتاب معرفة وهداية وتصديقك له سيكون أسرع من تصديقك للنبي لأن سلطة النص بيد مؤلف الكتاب وهو الله عزوجل ، أما إذا كان عيسى النبي يملك السلطة على نصوص الكتاب فأنت تحت هيمنة النبي أوالرسول لا تحت هيمنة كتاب الله. إذن في هذه الحالة ستكون سلطة النص بيد النبي لأنه سيكون هو مؤلف هذا الكتاب وليس الله عزوجل. فهل عيسى النبي والصبي يستطيعون تأليف نصوص في قالب تنظيمي لغوي له دلالات خاصة وفي هذا السن المبكر ؟ الجواب كلا ، فسلطة النصوص التي نطقوا بها بيد الله وهو مؤلف هذه النصوص .

بالنتيجة المؤرخ عندما ينقل النص ينقلها ضمن مرجعية معينة ، ورؤية معينة ، ووظيفة معينة ، ولغة معينة ليحقق هدف معين في زمن ومكان معينين لربط العلاقات الداخلية والخارجية له فضاء واسع يسمى (بسلطة النص) أيا كان هذا النص قرآني ، روائي ، حديثي أوغيره ولكن إذا تم إضافة صوراً جديدة للقصة وما ينتج من التصورات الذهنية تشبه الحلم وتبتعد عن الحقيقة هنا يكون المتخيل قد دخل على الخط وفكك الواقع وأعاد تركيبه من جديد فهو لا ينطلق من الواقع وإن كانت سردياته من واقع الحال إلا أنه ينطلق من الجانب النفسي ويستحضر مكوناته ليستنطق مكبوتاته المعطلة و المنحبسة في ذاته .

تعالوا معي في المعلومات المتوفرة لدينا عن حياة السيدة زينب من منظورتاريخي وهي قليلة في مقابل حجم التراث الروائي الكبير جداً حول ولادتها ، حيث اختلفت الروايات في سنة ولادتها وهي كما يلي : أولاً : أن ولادتها كانت في السنة الخامسة من شهر الجمادى الأول من الهجرة ، ثانياً : أن ولادتها كانت في السنة السادسة من الهجرة ، ثالثاً :: أن ولادتها كانت في السنة التاسعة من الهجرة ، رابعاً: أن ولادتها كانت في السنة الرابعة من الهجرة .

قبل الدخول في تفكيك النصوص الروائية علينا التحقق من النصوص التاريخية التي سبقت ولادة السيدة زينب خاصة فيما يتعلق بولادة أمها السيدة الجليلة فاطمة الزهراء ، ومتى كان زواجها من الإمام علي ؟ فإذا استطعنا معرفة تواريخ هذه الأحداث سيكون سهلا علينا تحديد تاريخ ولادة السيدة زينب . والحمد لله رب العالمين

(4)

مولد السيدة الجليلة فاطمة الزهراء الأقوال فيه لا تخرج عن ثلاث مواقف : (مولدها قبل البعثة بخمس سنوات ، ومولدها عند البعثة ، ومولدها بعد البعثة بخمس سنوات. أما الذين ذهبوا إلى تاريخ مولدها قبل البعثة بعام واحد هو ابن حجر (1)، أو بخمس سنوات بعد البعثة هو المجلسي (2) . أما ولادتها بخمس سنوات قبل البعثة قد انفرد كبارعلماء الإمامية من أعلام القرن الثالث الهجري وهو إبن أبي الثلج البغدادي (3) حيث وافق عليه أهل السنة أيضا مما يعني أن عمرالنبي الخاتم (ص) كان وقتئذ 35 سنة وعمرالسيدة خديجة 50 سنة. أي قبل الإسراء والمعراج بسبع سنين وهذا يعني أن السيدة فاطمة قضت طفولتها مع أبواها على دين أجدادهما ، فالنبي الخاتم (ص) كان على دين جده إبراهيم الخليل النبي ، والسيدة خديجة كانت على دين النصرانية وهو دين إبن عمها ورقة بن نوفل.

علما أن السيدة خديجة لم تكن نصرانية فهي كانت من الحنفاء الذين رفضوا عبادة الأوثان قبل البعثة وكانت تعتقد أن هناك إله واحد يدير شئون هذا الكون ، والدليل التاريخ لم يخبرنا يوما أن السيدة خديجة اتخذت الصليب المقدس في العبادة أو حملته معها كأهم رمز من رموز الديانة المسيحية هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإنه يجمعها مع رسول الله (ص) النسب في جده قصي من جهة أبيها وفي لؤي بن غالب من جهة أمها وفي عبد مناف بن قصي من جهة جدتها لأمها. وقد كانت السيدة خديجة سيدة نساء عصرها ولقبت بالعفيفة لأنها كانت تضع الحجاب على رأسها وتستر سائر بدنها بالكامل بما يعرف لدينا الآن بالعباءة على الرغم من أن الشريعة المحمدية لم تكن موجودة بعد ولكنها كانت على دين التوحيد ، دين إبراهيم النبي ، وكانت حشمتها هذه هبة من عند الله شأنها في ذلك شأن كل العفيفات اللاتي اصطفاهن الله سبحانه وتعالى وأكرمهن منذ بدء الخليقة كالسيدة سارة زوجة إبراهيم النبي والسيدة مريم بنت عمران وغيرهن من الصالحات المؤمنات على مر التاريخ..

ووالد السيدة خديجة «خويلد بن أسد» كان في ذروة قريش نسباً وشرفاً ومكانة وما يذكر له أنه واجه آخر التباعية ملوك اليمن وحال بينه وبين ما أراده من أخذ الحجر الأسود معه إلى اليمن. وهو من أقران عبدالمطلب جد الرسول الخاتم (ص) ، ويذكر المؤرخون أنه كان ضمن الوفد الذي ذهب بقيادة عبدالمطلب إلى اليمن لتهنئة سيف بن ذي يزن لإنتصاره على الحبشة .أما أم السيدة خديجة فهي السيدة فاطمة بنت زائدة وينتهي نسبها الى عامر بن لؤي بن غالب ، وقد كانت امرأة يشهد لها بالجمال وعزة النسب ورجاحة العقل، أما جدتها لأمها فهي السيدة هالة بنت عبد مناف التي يصل نسبها الى لؤي بن غالب، وقد كانت ذات شأن في قومها حسيبة نسيبة من أشراف العرب وأسماهم عرقاً ، وكلا أبويها من أعرق البيوت وأكثرهم كرماً وخلقاً حتى قبل ظهور الإسلام ، وحسب الماثورات الدينية أن النبي الخاتم (ص) كان نبيا قبل خلق آدم أبو البشر فهل يعقل أن يتزوج النبي الخاتم (ص) من قوم يجعلون لله ندا ؟ مؤكد لا

أما الذين قالوا في مولدها عند البعثة حيث إستفرد محمد المناوي بهذه الرواية (4)، فيكون عمرالنبي الخاتم (ص) 40 سنة وعمرالسيدة خديجة 55 سنة أي قبل الإسراء والمعراج بسنة واحدة. أما الذين قالوا أنها ولدت بعد البعثة بخمس سنوات وبعد الإسراء والمعراج بثلاث سنوات فهو قول (النيسابوري في روضة الواعظين ص 143) وهي الرواية المعتمدة الآن وتقرأ على المنابر وتنقل عبرالوسائط الإعلامية المتعددة ،
وهذه الرواية جعلت السيدة خديجة تنجب وهي في عمر 60 سنة ، وهذا أمر كان شبيه بالمعجزة في مكة والجزيرة العربية في تلك الفترة لأنه نادر التحقق في التاريخ. وهذه السيرة التاريخية عن مولدها إعتبرها البعض باهتة ولا يمكن الرهان عليها في كتابة ترجمة السيدة فاطمة لأنهم لاحظوا أن التاريخ إقتصرعلى ثوابت تاريخية وهذا مخيب للآمال فانبروا يؤولون أحداث التاريخ المقترنة بالسيدة فاطمة.فاصطدمت النصوص التاريخية مع التراث الروائي الذي بني على نصوص نسبت إلى النبي الخاتم (ص) والأئمة الطاهرين ، فاختلط الحابل بالنابل وخرجت سلطة النص من يد إلى يد أخرى .

السيدة فاطمة ظهرت على صفحات التاريخ حين تقدم بعض الصحابة لخطبتها ومنهم علي بن أبي طالب ، والذي تزوجت منه حيث اختلف المؤرخون في تحديد عمرها عند الزواج فالبعض ذهب أنها تزوجت عن عمريناهز 15 سنة على اعتبارأن ولادتها كانت قبل البعثة بخمس سنوات ، والبعض الأخرذهب أنها تزوجت عن عمر يناهز 7 سنوات على اعتبارأن ولادتها كانت بعد البعثة بخمس سنوات حيث اتفق أغلب المؤرخين المسلمين أن ولادتها كانت يوم الجمعة 20 جمادى الآخرة ، ولرفع بعض الغموض عن جزئية تاريخ ولادتها

تعالومعي لنأخذ الروايات المختلفة التي حددت ولادة السيدة فاطمة ونطبق التقويم اليولياني الشمسي الذي دخل حيز التنفيذ عام 47 ق .م والذي حاول محاكاة السنة الشمسية ويتكون من 365 و25 يوما واستمر حتى القرن االعشرين ثم عدل بالتقويم الغريغوري عام 1923م
وهو المعمول به الأن في التقويم الشمسي ، وبما أن العرب كانوا يؤرخون أيام السنة بالأحداث سنقوم بعملية تحويل بين التاريخ الميلادي والتواريخ قبل الهجرة بشكل مختصر و دقيق بحيث ستكون النتيجة مفصلة لكم وتحتوي على اليوم والشهر والسنة. (ملاحظة إختصار ق.هج= قبل الهجرة)

أولا : بعد البعثة بخمس سنوات يصادف يوم الخميس : (20 جمادى الآخرة(-7 ق هج ) الموافق (27- 3 ـ 615 ميلادي) وليس الجمعة
ثانيا : في سنة البعثة يصادف يوم الأربعاء (20 جمادى الآخرة (-12 ق.هج) الموافق (20 – 5- 610 ميلادي) وليس الجمعة
ثالثا : ولادتها قبل البعثة بخمس سنوات يصادف يوم الجمعة (20 جمادى الآخرة (ـ 18 ق هج) الموافق (24-7ـ 604 ميلادي).

حسب التقويم الغريغوري الميلادي تكون ولادتها يوم الجمعة 20 جمادى الآخرة قبل البعثة بخمس سنوات وعمرها حين زواجها كان 15 سنة ، بعد أن عرفنا ذلك ، أصبح سهلا علينا الآن تحديد تاريخ ولادة السيدة زينب. الحمد لله رب العالمين.

المصادر
1.إبن حجر، الإصابة ، ج8 ص 263

  1. باقر المجلسي ، بحار الأنوار، ج43 ص 9
  2. إبن أبي الثلج البغدادي ، تاريخ الأئمة ، ص 3
  3. محمد المناوي ، إتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب ، ص 24

(5)

من خلال التحليل التاريخي للروايات في ولادة وزواج السيدة الجليلة فاطمة الزهراء تكون ولادة أبنائها على النحو التالي :
الحسن بن علي في السنة الثالثة من الهجرة ،الحسين بن علي في السنة الرابعة من الهجرة ، السيدة زينب بنت علي في السنة السادسة من الهجرة ، ولكن نجد هناك اختلافًا عند الرواة في تاريخ ولادة السيدة زينب وهي كما يلي :

أولا: ذهب السيد أبو القاسم الديباجي أنها ولدت في السنة السادسة من الهجرة في 5 جمادى الأول (1)
ثانيا: ذهب الشيخ جعفر النقدي أنها ولدت في 5 جمادى الأول سنة 5 أو 6 من الهجرة ، وقيل في شهر شعبان من السنة 6 من الهجرة (2)
ثالثا : ذهب علي أحمد شلبي أنها ولدت في السنة الخامسة من الهجرة عام 626 للميلاد (3)
رابعا : ذهب المحقق ذبيح الله محلاتي أن ولادتها كانت في 5 جمادى الأول من السنة السادسة من الهجرة وقيل أوائل شعبان من السنة السادسة من الهجرة (4)

من خلال هذه الروايات تبين أن الرواة اختلفوا في شهر ولادتها ولكنهم في الأعم الأغلب يتفقون أن ولادتها كانت في السنة السادسة من الهجرة ، وإذا تمعنا في هذه الروايات سنجد أن الاعتماد على تاريخ ولادة السيدة زينب كان على ما توصل إليه الشيخ جعفر النقدي وهو من أعلام القرن الثالث عشر الهجري ،علمًا أن ما نقله الشيخ جعفر مجرد زعم لا أصل له ولا أساس له ، يقول الشيخ فضل علي القزويني ” ما ذكره الشيخ النقدي قول بلا دليل بل بلا تحقيق ولم يسنده إلى رواية” (5) وهذا يدل أن كل ما هو موجود في الكتب الإمامية هي جل مادة مكتوبة من بعض المتأخرين دون دليل أو سند، لأنه لايعقل أن يخفى هذا عن سائر أهل العلم طوال ثلاثة عشر قرنا .إذن ما هو الحل ؟

تعالوا معي لنحل هذه المعضلة ضمن مقاربات النصوص الروائية والأحداث التاريخية وهي على النحو التالي :

أولا: إذا تم تطبيق التقويم الهجري لسنة 5 أو 6 للهجرة والذي يقابله بالتقويم الميلادي عامي 626 و 627 ستكون محصلتنا ما يلي:

ألف : إن الذين ذهبوا أن ولادتها كانت في 5 من جمادى الأول من السنة الخامسة من الهجرة يصادف يوم الأربعاء 4 أكتوبر من عام 626 للميلاد ، أما من ذهب أن ولادتها كانت في السنة السادسة من الهجرة في 5 من جمادى الأول فإنه يصادف يوم الأثنين 24 سبتمبر من عام 627 للميلاد .

باء : إن الذين ذهبوا أن ولادتها كانت في 5 من شهر شعبان من السنة الخامسة من الهجرة فإنه يصادف 28 ديسمبر عام 626 للميلاد ، أما ولادتها في السنة السادسة من الهجرة من نفس الشهر واليوم فإنه يصادف يوم السبت 22 – ديسمبر من عام 627 ميلادي ، أما ولادتها في 1 شعبان من السنة السادسة من الهجرة فإنه يصادف 18 ديسمبر عام 627 للميلاد .

الجيم : حادثة الكساء كانت بعد معركة الأحزاب التي وقعت في شهر شوال من السنة الخامسة للهجرة يصادف شهرمارس من عام 627 للميلاد .

من خلال هذه المقاربات استخلصنا منها القرائن التاريخية التالية :-

1- أن ولادة السيدة زينب كانت بعد ولادة أخيها الحسين بن علي بسنتين فإذا كانت ولادته في السنة الرابعة من الهجرة فمنطقيا أن ولادة السيدة زينب في السنة السادسة من الهجرة ، وبما أن حادثة الكساء كانت في السنة الخامسة من الهجرة وكانت في بيت أم المؤمنين أم سلمه و التاريخ لم يخبرنا أن السيدة زينب كانت معهم تحت الكساء ، مما يدل أنها لم تكن متولدة لما نزلت آية التطهير ، و إلا لجاءت بها أمها السيدة الجليلة فاطمة تحت الكساء .

2- إن معركة الخندق كانت في السنة الخامسة من الهجرة في شهر ذي القعدة منه ،وحسب قول المؤرخين أن آية التطهير في سورة الأحزاب كانت بعد هذه المعركة ، وجدير بالذكر أن ترتيب القرآن وآياته في سورة واحدة توقيفية وحيانية متفق عليه.

بالنتيجة إن هذه القرائن لا يمكن تجاهلها في تقدير سلطتها في تثبيت الأدلة والتي يمكن الاعتماد عليها في التحقق من ولادة السيدة زينب، وطالما أننا لم نستطع الحصول على الأدلة المباشرة من الروايات بسبب عدم وجود دليل أو سند فلجأت إلى استخدام ضوابط الاستدلال وأصول المنطق للتعرف على أكبر قدر من تلك الحقائق التاريخية ومطابقتها على الواقع التاريخي في ولادة السيدة زينب أن ولادتها كانت في 1 شعبان، السنة السادسة من الهجرة ، قال جلال الدين السيوطي في رسالته الزينيبة أنها ولدت قبل وفاة جدها بخمس سنين وكانت لبيبة وجزلة أي فصيحة وعاقلة لها قوة جنان.

وقد ورد في ترجمتها عن محمد بن إسحاق : أنها زينب بنت علي وأمها فاطمة بنت النبي الخاتم (ص) تزوجت من عبدالله بن جعفر بن أبي طالب فولدت له علي بن عبدالله وأم أبيها تزوجها عبدالملك بن مروان فطلقها فتزوجت من علي بن عبدالله بن عباس ، وعن يحيي بن الحسن يقول أخبرني طاهر بن يحيي بن الحسن عن أبيه : زينب بنت علي بن أبي طالب وأمها فاطمة بنت رسول الله (ص) لها : علي وعون وجعفر وعباس وأم كلثوم بنو عبدالله بن جعفر (6).وقد قتلوا في معركة كربلاء مع الحسين بن علي .

وقال ابن عساكر : زينب الكبرى بنت علي بن أبي طالب ابن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف امراة جزلة كانت مع أخيها الحسين بن علي حين قتل وقدم بها على يزيد بن معاوية مع أهلها حدثت عن أمها فاطمة بنت رسول الله (ص) وأسماء بنت عميس ومولى للنبي (ص) اسمه طهمان أو ذكوان روى عنها محمد بن عمرو وعطاء ابن سائب وبنت أخيها فاطمة بنت الحسين بن علي (7) . وقال الشيخ النمهازي الشهرودي أن مولانا أمير المؤمنين كانت له بنات منهن زينب الكبرى وزينب الصغرى المكناة بأم كلثوم من فاطمة بنت رسول الله (ص) (8) يظهر من إرشاد للمفيد وابن أبي الحديد أن له زينب أخرى صغرى لأم ولد ، أما زينب الكبرى فهي من رواة الحديث أدركت النبي الخاتم (ص) وولدت في حياته ، عدها الشيخ الصدوق من رواة الحديث .

وفي كتاب السيدة زينب ، قال زينب الوسطى بنت أمير المؤمنين أمها وأم إخوتها الحسن والحسين ومحسن وزينب الكبرى ورقية فاطمة الزهراء ، ورقية كناها الرسول الخاتم (ص) بأم كلثوم ، وأما زينب الصغرى بنت أمير المؤمنين وأمها أم ولد تزوجت ابن عمها محمد بن عقيل فولدت له القاسم وعبدالله و عبد الرحمن أعقب منها عبدالله وماتت زينب بالمدينة (ملاحظة : عقب أبناء عقيل منها ) وقال زينب الوسطى دفينة الشام والكبرى دفينة مصر ولهما فيهما مزاران مشهوران (9) “ملاحظة :سنأتي على ذكر القبور والمشاهد المكذوبة في الفصل الرابع لهذا البحث.

وزينب الصغرى هي من خرجت في البقيع على الناس وهي تبكي وتقول : ماذا تقولون إن قال النبي لكم ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم ، بأهل بيتي و أنصاري و ذريتي ، منهم أسارى وقتلى ضرجوا بالدم ، ما كان ذاك جزائي إذ نصحت لكم أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي .وأم كلثوم خطبها .معاوية لأبنه يزيد فزوجها الحسين من ابن عمها القاسم بن جعفر بن ابي طالب . الحمد لله رب العالمين

المصادر
1- زينب الكبرى بطلة الحرية ، أبو القاسم الديباجي ، ص 15
2- زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين ، جعفر النقدي ، ص 18
3 – السيدة زينب إبنة الزهراء بطلة الفداء ، علي أحمد شلبي ، 28
4 – رياحين الشريعة ، ذبيح الله محلاتي ، جزء 3 ص 33
5 – الإمام الحسين وأصحابه ، الشيخ فضل علي القزويني ، جزء 3 ص 103
6 – الذرية الطاهرة النبوية ، محمد بن احمد الدولابي ، ص 119
7 – تاريخ مدينة دمسق ، ابن عساكر 97 174
8 – بحار النوار ، باقر المجلسي ، جزء 42 ص 74 و 89
9 – مستدرك سفية البحار ، الشيخ علي النمازي الشهرودي جزء 4 ص 317